فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ} عقوبةً لجرائمهم لاسيما لقولهم هذا {الطوفان} أي الماءَ الذي طاف بهم وغشِيَ أماكنَهم وحروثَهم من مطر أو سَيل، وقيل: هو الجُدَريّ. وقيل: المَوَتان. وقيل: الطاعون {والجراد والقمل} قيل: هو كبارُ القردان وقيل: أولادُ الجراد قبل نباتِ أجنحتِها {والضفادع والدم} رُوي أنهم مُطروا ثمانيةَ أيام في ظلمة شديدةٍ لا يستطيع أن يخرُج أحدٌ من بيته ودخل الماءُ بيوتَهم حتى قاموا فيه إلى تراقيهم ولم يدخل بيوتَ بني إسرائيلَ منه قطرةٌ وهي في خلال بيوتِهم وفاض الماءُ على أرضهم وركدَ فمنعَهم من الحرْث والتصرّف ودام ذلك سبعةَ أيام فقالوا له عليه الصلاة والسلام: ادعُ لنا ربك يكشفْ عنا ونحن نؤمنُ بك فدعا فكُشف عنهم فنبت من العشب والكلأ ما لم يُعهَدْ قبله، ولم يؤمنوا فبعث الله عليهم الجرادَ فأكل زروعَهم وثمارَهم وأبوابهم وسقوفهم وثيابَهم ففزِعوا إليه عليه الصلاة والسلام لما ذكر فخرج إلى الصحراء وأشار بعصاه نحو المشرقِ والمغربِ فرجعت إلى النواحي التي جاءت منها فلم يؤمنوا فسلط الله تعالى عليهم القُمّلَ فأكل ما أبقته الجرادُ وكان يقع في أطعمتهم ويدخُل بين ثيابهم وجلودِهم فيمُصّها ففزِعوا إليه ثالثًا فرفع عنهم فقالوا: قد تحققنا الآن أنك ساحرٌ ثم أرسل الله عليهم الضفادع بحيث لا يكشف ثوبٌ ولا طعام إلا وجدت فيه وكانت تمتلىء منها مضاجعُهم وتثب إلى قدروهم وهي تغلي وإلى أفواههم عند التكلم ففزعوا إليه رابعًا وتضرعوا فأخذ عليهم العُهود فدعا فكشف الله عنهم فنقضوا العهدَ فأرسل الله عليهم الدمَ فصارت مياههم دماءً حتى كان يجتمع القِبطيُّ والإسرائيليُّ على إناء فيكون ما يليه دمًا وما يلي الإسرائيليّ ماءً على حاله ويمص من فم الإسرائيليِّ فيصير دمًا في فيه، وقيل: سلط الله عليهم الرُّعاف {ءايات} حال من المنصوبات المذكورة {مّفَصَّلاَتٍ} مبينات لا يشكل على عاقل أنها آيات الله تعالى ونقمته وقيل: مفرقات بعضها من بعض لامتحان أحوالهم وكان بين كل آيتين منها شهر وكان امتداد كل واحدة منها أسبوعًا وقيل: إنه عليه السلام لبث فيهم بعد ما غلب السحرة عشرين سنة يريهم هذه الآيات على مهل {فاستكبروا} أي عن الإيمان بها {وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ} جملة معترضة مقررة لمضمون ما قبلها. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ} عقوبة لجرائمهم لاسيما قولهم هذا {الطوفان} أي ما طاف بهم وغشى أماكنهم وحروثهم من مطر أو سيل فهو اسم جنس من الطواف، وقيل: إنه في الأصل مصدر كنقصان، وهو اسم لكل شيء حادث يحيط بالجهات ويعم كالماء الكثير والقتل الذريع والموت الجار، وقد اشتهر في طوفان الماء وجاء تفسيره هنا بذلك في عدة روايات عن ابن عباس، وجاء عن عطاء.
وماهد تفسيره بالموت، وأخرج ذلك ابن جرير وغيره عن عائشة رضي الله تعالى عنها مرفوعًا، وعن وهب بن منبه أنه الطاعون بلغة اليمن وعن أبي قلابة أنه الجدري، وهم أول من عذبوا به، وهذا القولان ينجران إلى الخبر المرفوع {والجراد} هو المعروف واحده جرادة سمي لجرده ما على الأرض، وهو جنود الله تعالى يسلطه على من يشاء من عباده، وأخرج أبو داود.
وابن ماجه.
والطبراني وغيرهم عن أبي زهير النميري مرفوعًا النهي عن مقاتلته معلللًا بما ذكر، وذكر البيهقي أن ذلك إن صح مراد به إذا لم يتعرض لإفساد المزارع فإذا تعرض له جاز دفعه بما يقع به الدفع من القتال والقتل أو أريد بها لإشارة إلى تعذر مقاومته بذلك، وأخرج أبو داود ومن معه عن سليمان قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجراد فقال: «أكثر جنود الله تعالى لا آكله ولا أحرمه» وزعم أنه مخلوق من ذنوب ابن آدم مؤول {والقمل} بضم القاف وتشديد الميم قيل: هو الدبي وهو الصغار من الجراد ولا يسمى جرادًا إلا بعد نبات أجنحته، وروى ذلك عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي، وقيل هو القدران جمع القراد المعروف، وقيل: صغار الذر، وعن حبيب بن أبي ثابت أنها الجعلان، وعن ابن زيد قال: زعم بعض الناس أنها البراغيث، وعن سعيد بن جبير أنها السوس وهي الدابة التي تكون في الحنطة وغيرها، ويسمى قملًا بفتح فسكون وبذلك قرأ الحسن {والضفادع} جمع ضفدع كزبرج وجعفر وجندب ودرهم وهذا أقل أو مردود الدابة المائية المعروفة {والدم} معروف وتشديد داله لغة.
وروى أن موسى عليه السلام لما رأى من فرعون وقومه العناد والإصرار دعا وقال: يا رب إن فرعون علا في الأرض وإن قومه قد نقضوا العهد رب فخذهم بعقوبة تجعلها عليهم نقمة ولقومي عظة ولمن بعدهم آية وعبرة فأرسل الله تعالى عليهم المطر ثمانية أيام في ظلمة شديدة لم يستطع أحد لها أن يخرج من بيته فدخل الماء بيوتهم حتى قاموا فيه إلى تراقيهم ولم يدخل بيوت بني إسرائيل منه قطرة وكانت مشتبكة في بيوتهم وفاض الماء على أرضهم وركد فمنعهم من الحرث والتصرف ودام ذلك الماء عليهم سبعة أيام من السبت إلى السبت فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك يشكف عنا ذلك ونحن نؤمن بك ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه فكشف عنهم فنبث من العشب والكلأ ما لم يعهد مثله قبله، فقالوا: ما كان هذا الماء إلا نعمة علينا فلم يؤمنوا.
فبعث الله تعالى عليهم الجراد فأكل زروعهم وثمارهم وأبوابهم وسقوفهم وثيابهم وأمتعتهم حتى أكل مسامير الحديد التي في الأبواب ولم يصب بني إسرائيل من ذلك شيء، فعجوا وضجوا إلى موسى عليه السلام، وقالوا له كما قالوا أولًا فخرج عليه السلام إلى الصحراء فأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب فرجع إلى النواحي التي جاء منها، وقيل: جاءت ريح فألقته في البحر فلم يؤمنوا، فسلط الله تعالى عليهم القمل فأكل ما أبقى الجراد وكان يدخل بين ثوب أحدهم وجلده فيمصه وإذا أراد أن يأكل طعامًا امتلأ قملًا، وقال ابن المسيب: ابتلوا بالسوس فكان الرجل منهم يخرج بعشرة أجربة إلى الرحى فلا يرد إلا بثلاث أقفزة منها وأخذ حواجبهم وأشفار عيونهم وسائر شعورهم وفعل في جلودهم ما يفعله الجدري ومنعهم النوم والقرار ففزعوا إلى موسى عليه السلام فرفع عنهم، فقالوا: قد تحققنا الآن أنك ساحر، فأرسل الله تعالى عليهم الضفادع فامتلأت بيوتهم وأفنيتهم وأمتعتهم وآنيتهم منها فلا يكشف أحد إنا إلا وجدها فيه، وكان الرجل يجلس في الضفادع فتبلغ إلى حلقه فإذا أراد أن يتكلم يشب الضفدع فيدخل في فيه؛ وكانت تشب في قدورهم فتفسد عليهم طعامهم وتطفىء نيرانهم، وإذا اضطجع أحدهم ركبته حتى تكون عليه ركامًا فلا يستطيع أن ينقلب وإذا أراد أن يأكل سبقته إلى فيه ولا يعجن عجينًا إلا امتلأ منها ففزعوا إليه عليه السلام وتضرعوا فأخذ عليهم العهود والمواثيق ودعا فكشف الله تعالى عنهم ذلك فنقضوا العهد، فأرسل الله تعالى عليهم الدم فسال النيل عليهم دمًا عبيطًا وصارت مياههم دماء فكان فرعون يجمع بين القبطي والإسرائيلي في إناء واحد فيكون ما يلي الإسرائيلي ماء وما يلي القبطي دمًا ويقومان إلى الجرة فيها الماء فيخرج للقبطي دم وللإسرائيلي ماء حتى إن المرأة من آل فرعون تأتي المرأة من بني إسرائيل فتقول لها استقيني ماء فتصب لها من قربتها فيصير في الإناء دمًا حتى كانت تقول:
اجعليه في فيك ثم مجيه في فيّ فتفعل ذلك فيصير دمًا.
وقال ابن ابن أسلم: إن الدم الذي سلط عليهم كان الرعاف {ءايات} حال من الأشياء المتقدمة.
{مّفَصَّلاَتٍ} مبينات لا يشك عاقل أنها آيات إلهية لا سحر كما يزعمون، أو مميزًا بعضها من بعض منفصلة بالزمان لامتحان أحوالهم وكان بين كل اثنين منها شهر وكان امتداد كل واحدة منها شهرًا كما أخرج ذلك ابن المنذر عن ابن عباس، وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال: كانت الآيات التسع في تسع سنين في كل سنة آية، وأخرج أحمد في الزهد وغيره عن نوف الشامي قال: مكث موسى عليه السلام في آل فرعون بعدما غلب السحرة عشرين سنة يريهم الآيات الجراد والقمل إلخ فأبوا أن يسلموا.
وفي رواية أبي الشيخ عن ابن عباس أنه مكث عليه السلام بعد أن غلب أربعين سنة يريهم ما ذكر، ورأيت في مسامرات الشيخ ابن العربي قدس سره أن موسى عليه السلام مكث ينذر آل فرعون ستة عشر شهرًا إلى أن أغرقوا فأدخلوا نارًا ولم ينتفعوا بما رأوا من الآيات {فاستكبروا} عن الإيمان بها.
{وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ} جملة معترضة مقررة لمضمون ما قبلها. اهـ.

.قال صاحب روح البيان:

{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ}.
روي أن القوم لما عالجهم موسى بالآيات الأربع العصا واليد والسنين ونقص الثمرات فكفروا ودعا وكان حديدًا فقال يا رب إن عبدك فرعون علا في الأرض وبغى وعتا وإن قومه نقضوا عهدك فخذهم بعقوبة تجعلها عليهم نقمة ولقومي عظة ولمن بعدهم عبرة فأرسل الله عليهم عقوبة لجرائمهم {الطُّوفَانَ} أي الماء الذي طاف بهم وأحاط وغشى أماكنهم وحرثهم من مطر أو سيل {وَالْجَرَادَ} في التفسير الفارسي ملخ رنده.
وفي حياة الحيوان: الجراد البري إذا خرج من بيضته يقال له: الدباء فإذا بدت فيه الألوان واصفرت الذكور واسودت الإناث يسمى جرادًا حينئذٍ وفي الحديث: «لا تقتلوا الجراد فإنه جند الله الأعظم» وهذا إن صح أراد به إذا لم يتعرض لإفساد الزرع فإن تعرض له جاز دفعه بالقتل وغيره، ووقعت بين يدي النبي عليه السلام، جرادة فإذا مكتوب على جناحيها بالعبرانية نحن جند الله الأكبر ولنا تسع وتسعون بيضة، ولو تمت لنا المائة لأكلنا الدنيا وما فيها فقال النبي عليه السلام: «اللهم أهلك الجراد اقتل كبارها وأمت صغارها وأفسد بيضها وسد أفواهها عن مزارع المسلمين وعن معايشهم إنك سميع الدعاء فجاء جبرائيل عليه السلام فقال: إنه قد استجيب لك في بعضه».
وعن حسن بن علي: كنا على مائدة نأكل أنا وأخي محمد بن الحنفية وبنو عمي عبد الله وقثم والفضل بن العباس فوقعت جرادة على المائدة فأخذها عبد الله، وقال لي ما مكتوب على هذه؟ فقلت سألت أبي أمير المؤمنين عن ذلك فقال سألت عنه رسول الله فقال: «مكتوب عليها أنا الله لا إله إلا أنا رب الجراد ورازقها وإن شئت بعثتها رزقًا لقوم وإن شئت بعثتها بلاء على قوم» فقال عبد الله هذا من العلم المكنون وليس في الحيوان أكثر فسادًا لما يقتاته الإنسان من الجراد.
وأجمع المسلمون على إباحة أكله، قال الأربعة: يحل أكله سواء مات حتف أنفه أو بذكاة أو باصطياد مجوس أو مسلم قطع منه شيء أو لا والدليل على عموم حله قوله عليه السلام: «أحلت لنا ميتتان ودمان الكبد والطحال والسمك والجراد» وإذا تبخر إنسان بالجراد البري نفعه من عسر البول.
وقال ابن سينا: إذا أخذ منها اثنا عشر ونزعت رؤوسها وأطرافها وجعل معها قليل آس يابس وشرب للاستسقاء نفعه.
وأما الجراد البحري فهو من أنواع الصدف كثير بساحل البحر ببلاد المغرب ويأكلونها كثيرًا مشويًا ومطبوخًا ولحمها نافع للجذام.